الاستقواء بالسلاح يفرض أمراً واقعاً لا يمنح شرعية
السبت, 06 ديسمبر, 2025 - 11:36 مساءً
لا حلّ لكل مشاكلنا في اليمن — شماله وجنوبه — سوى الحوار الجاد والمسؤول؛ الحوار الذي يتكئ إلى عقل ناضج يدرك أن الشرعية لا تُنتَزع بالقوة، وأن الدولة لا تُبنى على ترهيب أو إقصاء. فالتجارب القريبة والبعيدة تقول بوضوح إن كل مشروع حاول أن يقفز فوق إرادة الناس انتهى إلى الفشل، مهما بدا قوياً أو مترسخاً. السلاح قد يفرض واقعاً، لكنه لا يصنع قبولاً، ولا يصوغ عقداً اجتماعياً، ولا يمنح أصحابَه شرعية تحفظهم من موجات التاريخ حين تعود لتصحح مسارها.
واليوم وفي ظل التطورات التي نشهدها من يتخيّل أن باستطاعته فرض رؤيته على الجنوب بالقوة، إنما ينساق خلف وهمٍ خطير. فمثل هذه الخيارات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام، وتغذية دوامة الصراع، وتعميق الجراح التي لم تلتئم بعد. اليمن جرّب هذا الطريق مراراً، وفي كل مرة كان الخراب هو الحصاد الوحيد. ذلك أن المشكلات السياسية ليست أهدافاً عسكرية يمكن إسكاتها بإطلاق النار، بل هي احتياجات مجتمعية، وطموحات إنسانية، وتطلعات وطنية لا يمكن تجاوزها إلا بالاعتراف والاحترام والحوار.
القضية الجنوبية ليست مناسبة لتحريك الدبابات ولا اختباراً لسطوة البنادق؛ إنها مدخل لبناء شراكة عادلة بين أبناء الوطن، وإعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع على أسس تضمن الكرامة والحقوق. وأي محاولة لفرض واقع بقوة السلاح أو الالتفاف على تطلعات الجنوبيين بمغامرة غير محسوبة لن تُنتج سوى مزيد من الرفض والاحتقان، لأن الحل الحقيقي لا يولد إلا من طاولة يتكئ عليها الجميع دون خوف أو وصاية.
من يستقوي بسلاحه قد ينجح في فرض نفسه كأمر واقع، لكنه يظل أعجز من أن يكتسب الشرعية. الشرعية تُمنحها إرادة الناس، لا أزيز الرصاص. والدولة لا تقوم على الغلبة، بل على التوافق الوطني واحترام القانون والحقوق المتساوية. وكل مشروع يتجاهل هذه البديهيات، مهما بدا متماسكاً، سيكتشف في النهاية أنه بنى مشروعه على شفير الهاوية ووضع اساساته على رمال متحركة
اليوم، أمام اليمن فرصة نادرة لإعادة قراءة واقعه، وتجاوز الصراعات التي أنهكته. والقضية الجنوبية تمثل مفتاح المستقبل إن تم التعامل معها بعقلانية ومسؤولية. فالحلول العادلة لا تُفرض، بل تُصاغ، ولا تُنتجها البندقية، بل تكتبها عقول تؤمن بالحوار كقيمة، وتحترم إرادة الإنسان التي هي الاساس المنتج للشرعية.
إن الجنوب ليس مشكلة تُحلّ بالقوة، بل شريك يصنع مع الوطن مستقبلاً جديداً تنتجه إرادة ابناء الجنوب الحرة دون وصاية من أحد ،ودون احتكار من اي قوة مغامرة لاترى الا نفسها ولا تسمع الا لرجع صداها ، ومن يدرك هذه الحقيقة سيجد الطريق أقصر، وأكثر أمناً، وأقرب إلى الاستقرار الذي ينتظره الجميع.
اللهم ألهمنا رُشدَنا، وأعِذْنا من شرور أنفسنا.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك
اقرأ ايضاً
آخر الأخبار
كاريكاتير
