×
آخر الأخبار
حملة اختطافات واسعة تستهدف أصحاب المتاجر في صنعاء على خلفية جبايات "المولد النبوي" صنعاء.. عشرات الجرحى الحوثيين يشكون التجاهل المتعمد من قيادة الجماعة لمعاناتهم وقفة احتجاجية للصيادلة في تعز تنديدًا بـ"جشع" شركات الأدوية   "سهام" تكتب رسالة مؤثرة لوالدها المختطف لدى الحوثيين صعدة.. وزير الدفاع يتفقد المواقع الأمامية في جبهات كتاف والبقع شبكة حقوقية توثّق 123 جريمة قتل أقارب ارتكبتها عناصر تابعة لمليشيات الحوثي اتهام الحوثيين للشيخ الأحمر بعرقلة اسناد غزة يثير سخرية اليمنيين المحامي شداد عن الحوثي المرتضى: سلوكه غير أخلاقي ويعرقل تبادل المختطفين ويجب محاسبته مكتب التربية في مأرب يقر تخفيض الرسوم الدراسية بالمدارس الأهلية والخاصة 30%  مسؤول حكومي: مشاهد مليشيا الحوثي في كربلاء العراقية يؤكد انغماس الميليشيا في المشروع الإيراني

التجويع الممنهج لن يكسر روح المقاومة الشعبية

السبت, 16 أغسطس, 2025 - 06:58 مساءً

التجويع في القوانين الدولية ليس مجرد حرمان من الغذاء، بل جريمة مكتملة الأركان تمس الحق في الحياة والكرامة الإنسانية، وتندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب عندما يستخدم كسلاح في النزاعات، تحول التجويع الممنهج الذي تمارسه مليشيا الحوثي إلى سياسة شاملة تستهدف ملايين اليمنيين في مناطق سيطرتها، ليس فقط بهدف السيطرة الاقتصادية، بل كأداة إذلال وإخضاع، وإرهاق الروح الثورية المقاومة للظلم.
 
وفق المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، يحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، ويعد استهداف المدنيين بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها للبقاء جريمة حرب، كما يجرم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 8/2/ب/25 أي فعل يتعمد تجويع المدنيين بحرمانهم من الإمدادات الضرورية، وتمارس مليشيا الحوثي هذه السياسات بشكل متعمد، وتخرق بوضوح هذه النصوص وبحسب القوانين الدولية فانهم معرضين للمساءلة الجنائية الدولية.
 
منذ أكثر من عشر سنوات، قطعت مليشيا الحوثي رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، رغم سيطرتها على الموارد السيادية، ونهبها لعائدات الموانئ وقطاع الاتصالات والضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف، وبحسب تقديرات محلية ودولية، فإن إيراداتها تكفي لدفع رواتب الموظفين لعدة أشهر، لكنها تتعمد حرمان اليمنيين منها لإبقائهم رهائن الحاجة.
 
لم تكتف المليشيا بحرمان الناس من دخلهم، بل فرضت جبايات وإتاوات متصاعدة على التجار والمزارعين، وابتزت وأغلقت الجمعيات الخيرية و المؤسسات و الشركات، ومنعت رجال الخير من مساعدة الفقراء، وجففت منابع الصدقات، وحاصرت مبادرات التكافل والتراحم المجتمعي، بل ونهبت المساعدات النقدية والغذائية والدوائية المقدمة من المنظمات الدولية، وأعادت توزيعها على أساس الولاء، أو بيعها في السوق السوداء، إلى جانب النهب والتضييق على الفضاء العام وقمع حرية الرأي والتعبير، ونهب المواطنين ومرتبات الموظفين، وتسببت في زيادة المعاناة وتفاقم الوضع الإنساني، وهو دليل قاطع على سياسة التجويع الممنهَجة والتحكم بمصادر الدخل والمعونات على حد سواء، بما يمكنها في نهاية المطاف من حوثنة المجتمع ومحاولة توجيهه طائفيا وعسكريا.
 
هذا النمط من الإفقار ليس عشوائيا، بل جزء من استراتيجية سياسية قديمة، حيث يعتقد الحوثيون أن المواطن المنشغل بالبحث عن لقمة عيشه يفقد القدرة على الاحتجاج أو المقاومة، وإنهاك الناس بالبحث عن الخبز يضعف صوتهم في المطالبة بالحرية والعدالة، غير مدركين أن ذلك يزيد إصرارهم، وبراكين الغضب تشتعل لمقاومة القهر والظلم، واستعادة الدولة ومؤسساتها.
 
في الوقت الذي يفتك فيه الجوع والفقر بأكثر من 80% من سكان اليمن، وفق تقارير الأمم المتحدة، تظهر صور ومشاهد حياة البذخ والثراء الفاحش لقيادات ومشرفي المليشيات حجم الفجوة بين قيادات ومشرفي المليشيات والشعب، قصور فارهة، مواكب سيارات مدرعة، وحفلات مترفة، في مقابل أمهات يبعن آخر ممتلكاتهن لإطعام أطفالهن، وأسر تتضور جوعا.
 
تجاوزت الممارسات الحوثية حدود الإهمال أو الفشل الإداري، لتصل إلى منعٍ متعمد لأي مبادرة إغاثية مستقلة، وفرض رقابة قاسية على عمل المنظمات الدولية، وقد شهدت صنعاء قبل عامين فاجعة مدرسة "معين" عندما قضى 85 شخصاً وأصيب أكثر من 322 آخرين أثناء تدافعهم على مساعدة لا تتجاوز عشرة دولارات، بعد إطلاق النار من عناصر المليشيا، لم تكن تلك الحادثة سوى نموذج لجريمة التجويع، حيث يقتل الإنسان وهو يسعى لإنقاذ أسرته من الجوع.
 
لم يعد التجويع أداة حرب اقتصادية فقط، بل تحول إلى وسيلة لمحاولة إعادة تشكيل المجتمع اليمني بما يخدم أيديولوجيا المليشيات الطائفية، عبر شراء الولاءات بالغذاء وما تقدمه المنظمات الدولية، وتجنيد الأطفال واستغلالهم في الأعمال العسكرية، وتحويل الناس إلى تابعين، وإضعاف القوى التجارية المستقلة، ودفع التجار للهجرة أو الإفلاس لإفساح المجال لشركات تابعة للمليشيات والهيمنة على الشركات ورأس المال الوطني، على غرار نموذج الحرس الثوري الإيراني.
 
إن استمرار هذا النمط من الانتهاكات يعني أن اليمن يسير نحو مجاعة ممنهجة أكثر شمولا وخطورة، لا يمكن وقف نزيف الفقر والجوع إلا بكسر هذه الحلقة عبر تحرك شعبي واسع يستعيد مؤسسات الدولة ويعيد سيادة القانون، ويضع حدا للتجويع والنهب القائم.
 
في الوقت الذي تنص فيه المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على التزام الدول والأطراف المسيطرة على الأرض بضمان الحق في الغذاء وعدم حرمان أي شخص منه، تمعن مليشيا الحوثي في انتهاج سياسة تجويع ممنهجة بحق الشعب اليمني، فبينما تتفاخر بإنفاق مئات الملايين على احتفالاتها السنوية، وتفرض جبايات مالية قسرية على المواطنين لتمويل تلك المناسبات، تتسع رقعة الفقر والمجاعة على نحو كارثي، في ظل غياب أدنى اعتبار لحق الإنسان في الحياة والكرامة.
 
ويمثل هذا النهج استمرار للنمط التاريخي لحكم الأئمة في اليمن، الذين اعتمدوا سياسة الإفقار الممنهج واستغلال حاجات الناس لفرض السيطرة، إذ تشير الوقائع التاريخية إلى أنه في أوقات المجاعات، كان حكام الإمامة وأتباعهم من السلالة يعيشون في ترف بالغ، ويمتلكون مخازن الحبوب وأقوات الناس، ويتاجرون بها في أسواق الجوع، بل ويشترون الأراضي الواسعة مقابل القمح، مستغلين معاناة السكان كأداة للإذلال ونهب الممتلكات.
 
إن هذه الممارسات تعد انتهاكا صارخا لجوهر الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فالجوع صناعة بشرية يقف وراءها مشروع عنصري طائفي يريد شعبا خانعا، خاصة في البلدان التي تعاني من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة، وكسر هذه المعادلة يبدأ من وعي المواطنين بأن الخلاص لن يأتي من انتظار معونات مقننة، بل من رفض شامل لسياسة التجويع، وانطلاق ثورة شعبية عارمة تقتلع المليشيات لينعم الشعب بالخير والرخاء، ويعود الوطن والجمهورية ومؤسساتها، وعودة موارد البلاد المختلفة لخدمة الشعب وتعافي ظروفه المعيشية.
 
*مدير عام مكتب حقوق الانسان بأمانة العاصمة
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

1