×
آخر الأخبار
الخبير القانوني "أمين الخديري": مليشيا الحوثي دمرت القضاء والعدالة غائبة في صنعاء  محافظ البنك المركزي يبحث مع قيادات البنوك تنظيم الاستيراد   مليشيات الحوثي تعتدي على وجهاء خولان بميدان السبعين في صنعاء     التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج النائب العام الحوثي يُطلق سراح عصابة استولت على بضاعة لتاجر بقيمة 400 ألف دولار  مليشيا الحوثي تغيب قيادي في حزب البعث الاشتراكي بصنعاء   صنعاء.. "قاسم عباس" يسلم مناصب عليا بجامعة العلوم لأفراد من عائلته مسؤول حكومي: مليشيا الحوثي حولت المساعدات الإنسانية الى مصدر لتمويل الحرب رابطة حقوقية تطالب بالإفراج عن كافة المختطفين المدنيين    شبكة حقوقية توثق 5618 انتهاكا ارتكبتها مليشيات الحوثي بحق النساء

انتهاكات الحوثي لمؤسسات العدالة*

الخميس, 07 أغسطس, 2025 - 10:02 مساءً

يشكل نظام العدالة المستقل والنزيه حجر الزاوية في حماية حقوق الإنسان، وضمان صون كرامة الأفراد، وتوفير الأمن القانوني للمجتمع بأسره، فاستقلال السلطة القضائية ليس مجرد مبدأ دستوري أو تنظيمي، بل هو ضمانة جوهرية لتمكين المواطنين من اللجوء إلى القضاء بوصفه الملاذ الأخير لتحقيق العدالة، ومساءلة الجناة، وضمان حصول الضحايا على سبل الانتصاف القضائية الفعالة، وقد أجمعت الشرائع الدولية، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 10) إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14)، على ضرورة  توفير محاكمة عادلة أمام محكمة مختصة، مستقلة، حيادية، منشأة بحكم القانون، باعتبار ذلك من الحقوق غير القابلة للتصرف، والملازمة لأي نظام ديمقراطي قائم على سيادة القانون.

إن استقلال القضاء لا يعد امتيازا للقضاة بل هو حق أصيل للمواطنين، وضمان لمجتمع تسوده العدالة والمساءلة والمساواة، ويتطلب هذا الاستقلال الحفاظ على كيان السلطة القضائية كمؤسسة قائمة بذاتها، محصنة ضد التدخلات السياسية والتنفيذية، والالتزام الصارم بمبدأ الفصل بين السلطات، ووضع معايير شفافة وعادلة لتعيين القضاة وترقيتهم ومساءلتهم، بما يضمن نزاهة الوظيفة القضائية وهيبتها.

لكن الواقع الراهن في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، يعكس انهيار خطير لمنظومة العدالة، وتفكيك ممنهج لمبدأ استقلال القضاء، حيث قامت المليشيات بإلغاء فعلي للشرعية الدستورية، وتعطيل العمل بالقوانين الوطنية المنظمة للسلطة القضائية، واستبدالها بنظم طائفية وأوامر وقرارات من قيادة المليشيات، خارجة عن أي نص دستوري، وتطويع المحاكم والنيابات لتصفية الخصوم السياسيين، ومحاولة إضفاء طابع قانوني زائف على ممارسات قمعية تتعارض مع كافة الأعراف والمواثيق الدولية، وعملت على إقصاء القضاة النزيهين والمستقلين، واستبدالهم بعناصر موالية طائفية، لا تتمتع بالكفاءة ولا بالحياد، ما أفقد الجهاز القضائي حياديته وموضوعيته.

تعرض الآلاف من المواطنين للاختطافات والاخفاء القسري والتعذيب و مختلف الانتهاكات، وحرموا من الحق في العدالة في انتهاك لحق المواطنين في محاكمة عادلة، وحرمان آلاف المعتقلين من الضمانات الإجرائية، وسط استخدام القضاء كأداة للابتزاز والتخويف، واستهداف مؤسسات القضاء بهجمات ممنهجة، شملت نهب أرشيفات، والسيطرة على المحاكم، وتغيير القيادات القضائية الوطنية، مما أدى إلى انعدام ثقة المواطنين بهذه المؤسسات.

منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، تعمل مليشيا الحوثي -المصنفة بالارهاب- على تفكيك البنية المؤسسية للدولة اليمنية، وكان الجهاز القضائي من أولى المؤسسات التي تعرضت لاختراق ممنهج وانتهاك واسع، وسعت المليشيا إلى تحويل القضاء من سلطة مستقلة إلى أداة طيعة بيدها، تستخدمها لتثبيت سلطتها غير الشرعية، وانتهاك مبدأ سيادة القانون، وضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق الإنسان، وينص الدستور اليمني في مادته (149) على أن القضاء "سلطة مستقلة قضائيا وماليا وإداريا"، وأن "لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون".

ينص قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م على أن القضاة وأعضاء النيابة العامة يتمتعون بالحصانة والاستقلال، ويخضعون لمعايير الكفاءة والنزاهة والحياد، ويؤكد قانون المحاماة وقانون الإجراءات الجزائية على ضمانات المحاكمة العادلة، وحقوق الدفاع، وعلنية المحاكمات، وعدم جواز اعتقال أي شخص إلا بأمر قضائي مسبب، غير أن مليشيا الحوثي عملت على تقويض هذا الإطار الدستوري والقانوني عبر ممارسات ممنهجة تهدف إلى السيطرة الكاملة على أجهزة القضاء والنيابة، بما يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات في انتهاكً جسيم للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

مارست المليشيات سياسة تطهير ممنهجة بحق القضاة وأعضاء النيابة الذين رفضوا الانصياع لتوجهاتها الطائفية أو أبدوا تمسكهم بالمعايير المهنية، حيث تم فصل العشرات منهم دون مسوغات قانونية، وإحلال عناصر موالية أيديولوجيا، تفتقر للكفاءة والاستقلال، وأصبحت المحاكم أداة في يد المليشيات لتبرير الاختطافات التعسفية والأحكام الجائرة بحق الصحفيين والنشطاء والسياسيين، وأصدرت "المحكمة الجزائية المتخصصة" في صنعاء -منعدمة الشرعية- مئات القرارات بالإعدام أو السجن بحق معارضين، في محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة.

قامت المليشيات بالاعتداء والعبث بالقوانين اليمنية ومنها تعديلات مواد في قانون السلطة القضائية وقانون المحاماة دون شرعية دستورية، لتضفي شرعية شكلية على التعيينات الطائفية وتمنح صلاحيات مطلقة لما يسمى "رئيس المجلس السياسي الأعلى"، وهو كيان غير دستوري.

تم حصر القبول في المعهد العالي للقضاء بصنعاء على فئة موالية للمليشيات، استنادا إلى الولاء الطائفي والسياسي ومعايير سلالية، لا إلى الكفاءة أو الجدارة، وهو ما يهدد بتفريخ جيل كامل من القضاة المرتبطين أيديولوجيا بالمليشيات، ما يجهز على مستقبل القضاء في اليمن لعقود قادمة.

في سابقة خطيرة تقوض أسس الدولة القانونية، عمدت مليشيا الحوثي إلى إنشاء كيانات عدلية موازية خارج الإطار الدستوري والقانوني للجمهورية اليمنية، "الهيئة العدلية"، و"اللجنة العدلية العليا" بصيغتهما غير الشرعية، وهي كيانات لا سند قانوني لها، ولا تخضع لأي رقابة قضائية أو تشريعية، وتعمل بأوامر مباشرة من قيادات المليشيات الأمنية والعقائدية.

تهدف هذه الكيانات المشوهة إلى الاستحواذ الكامل على مفاصل العدالة، وتجاوز القضاء النظامي لصالح منظومة بديلة تتدخل بشكل مباشر في عمل المحاكم والنيابات، وتتحكم في مسارات القضايا، وخاصة تلك المتعلقة بمصادرة الممتلكات وابتزاز المواطنين، وقد أدى ذلك إلى طمس الفاصل بين القانون والسلطة السياسية، وإضعاف مؤسسات القضاء الرسمية، وتحويل العدالة إلى أداة للجباية والسيطرة.

هذه الظاهرة تمثل جريمة منظمة بحق العدالة والمواطنين، وتشكل انتهاك صريح لحق التقاضي والمحاكمة العادلة المكفول دوليا، وتبرز الحاجة الملحة لإعادة بناء النظام القضائي من جذوره، وإلغاء كافة الكيانات الخارجة عن القانون، وضمان إخضاع كل من تورط في هذه الانتهاكات للمساءلة القضائية الوطنية أو الدولية.

تحولت النيابات والمحاكم في مناطق الحوثي إلى أدوات للابتزاز المالي، حيث يتم مساومة أهالي المعتقلين على دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل وعود كاذبة بالإفراج أو تخفيف الأحكام، في غياب تام لأي رقابة قضائية أو ضمانات قانونية.

ان استمرار هذا الواقع المؤلم من أبرز العوامل التي أسهمت في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، وتعميق ثقافة الإفلات من العقاب، وغياب أي مسار حقيقي للعدالة الانتقالية أو جبر الضرر، كما يشكل هذا الانهيار تهديد جوهري  لهوية الدولة اليمنية كدولة قانون ومؤسسات، ويقوض أي جهود مستقبلية لإعادة بناء النظام القضائي، أو إقامة دولة مدنية ديمقراطية، وتقوض مبدأ سيادة القانون وتحوله إلى غطاء لانتهاكات المليشيات.

ان غياب العدالة وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب وتنامي الفساد القضائي، يفقد ثقة المواطنين بالمؤسسات القضائية، ما يدفعهم إلى اللجوء للثأر والانتقام، في ظل تغييب القضاء كمؤسسة ضامنة للحقوق والواجبات.

على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا -اليوم- سرعة انقاذ الوطن من عبث المليشيات واعلان قائمة سوداء بالقضاة وأعضاء النيابات والمتورطين في المحاكمات السياسية خاصة قرارت الإعدام ونهب الاموال واستغلال المحاكم والمؤسسات القضائية عصا غليظة ضد المعارضين والخصوم والسياسيين والاكاديميين، واصدار قرارات بوقف كافة التعيينات غير القانونية وإلغاء قرارات الإقصاء وإعادة جميع القضاة وأعضاء النيابة المفصولين تعسفا، وإلغاء التعيينات الطائفية، والالتزام بمبدأ الكفاءة والنزاهة، وإلغاء كافة الأحكام الجائرة الصادرة من المحاكم الحوثية، خاصة تلك الصادرة عن "المحكمة الجزائية المتخصصة"، والتي تم توظيفها كأداة قمعية، واعتبار هذه القرارات باطلة قانونا لصدورها عن جهة غير شرعية.

وعملا بمبدأ العدالة والانصاف يجب العمل مع الهيئات الدولية على تشكيل لجنة دولية محايدة لتقييم أداء القضاء تكون مهمتها توثيق الانتهاكات، وإنشاء محكمة لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان والمضي في إجراءات المساءلة القضائية، تمهيدا للإصلاح الشامل، والعمل على إعداد وإقرار استراتيجية وطنية لإصلاح قطاع العدالة بما يتماشى مع مبادئ العدالة الانتقالية، ويضمن المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، تشمل مراجعة القوانين، وإعادة هيكلة المحاكم، وبناء مؤسسات قضائية مستقلة، ودعم الضحايا وتمكينهم من الوصول إلى العدالة، وذلك من خلال تأسيس وحدات قانونية مستقلة لتوثيق الانتهاكات وتقديم الدعاوى.

القضاء هو العمود الفقري لأي دولة قانون ومؤسسات، وتدميره يعني انهيار الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات، وما تقوم به مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها من تدمير ممنهج لمنظومة العدالة، يمثل جريمة مزدوجة بحق اليمن دولة وشعبا، ويتطلب تحركا محليا ودوليا جادا لحماية ما تبقى من ركائز العدالة، ويستوجب استجابة دولية متسقة تضع حماية العدالة واستقلال القضاء ضمن أولويات أي حل سياسي قادم في اليمن.

**مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة*


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

1